--------- وجهة نظر ------
الأزمة السياسية في الجزائر -
إن الأزمة السياسية في الجزائر هي في الحقيقة وليدة تراكمات لأخطاء سياسية متعاقبة عبر عشريات من الزمن و قد أوجدت هذه الأخطاء المتراكمة طبقات اجتماعية و سياسية متباينة , طبقة مستفيدة من الريع و هي الطبقة الحاكمة وهي التي تتمفصل في كل دواليب الإدارة ولا يمكنها أن تتخلى عن تموقعها و هي تعتقد أن الجزائر هي ملك لها دون سواها , ثم تليها الطبقة المستفيدة من كرم و سخاء الطبقة الحاكمة و هي طبقة مستفيدة بشكل أو بأخر و لكنها تتظاهر بالنضال السياسي و الدفاع عن الحقوق العامة و هي تشمل الأحزاب و الجمعيات والهيئات ... و الطبقة الثالثة هي طبقة المواطن الكادح البسيط الذي أنهكته مطالب الحياة اليومية و شغلته عن التفكير في كل ما يخرج عن دائرة همومه و هو يفضل الجوع و الصمت على المطالبة بحقوقه المشروعة اليومية وهو دليل على أن المستوى السياسي للفرد لم يعرف بعد مرحلة النضج و حتى الأطر السياسية التي يتنفس منها هي اطر فارغة المحتوى و لا يمكنها أن توصل صوت أهات و آلام و آمال المواطن الكادح , و أكون جازما عندما أقول أن نشأة الأحزاب في الجزائر لم تتبلور في رحم المجتمع كأفكار و اديولوجيات وبذلك فهي لا تملك مشاريع واقعية و في مجملها هي عبارة عن برامج متشابهة و مستنسخة فيما بينها مع بعض التصرف في صياغتها العامة و السبب يعود أساسا إلى أن هذه الأحزاب لا تتوفر في هياكلها و مواردها البشرية على لجان تقنية و هيئات استشارية ضالعة في الاقتصاد و القانون و علم الاجتماع و هي التي بإمكانها أن تنطلق من واقع معطيات المجتمع الجزائري و تبني عليها أسس و مناهج برامجها الآنية و المستقبلية و من هذا المنطلق فان الأحزاب في الجزائر و إن كانت مؤسسة من حيث الشكل فهي فارغة المضمون و ليس بمقدورها اظافة شئ ايجابي للحياة السياسية و لن يزيد دورها على ديكور للمشهد السياسي و هي لا تملك القدرة حتى على تحريك قواعدها التي تتدعي الالتزام بمبادئها و مناهجها لان القناعة الحزبية مبنية أساسا على الريع و المكاسب المادية و الدليل هو ما أبدته قيادة الأحزاب من مستويات متدنية و تصرفات خسيسة جردت الأحزاب من طابعها النضالي و السياسي وفق معايير الأخلاق و القيم النبيلة و جعلت منها تنظيمات ريعية سوقية و لم تستحي هذه القيادات من استعمال المال الوسخ لدرجة أن أصبحت عندهم النذالة قاعدة عامة والمروءة حالة استثناء و بدون شك فان هذا العمل المخزي المشين و المخل بالأخلاق و القيم السياسية لا يزيد إلا تكريسا للرداءة و تجدرها في مفاصل المجتمع , و من العيب ومن العار انه بعد نصف قرن من الاستقلال لم نتمكن من بناء دولة القانون دولة المؤسسات الشرعية لقد تغيرت خريطة العالم و هبت رياح التغيير و جرفت معها أوحال الزمن الردئ و أصبحنا نتطلع إلى غد مشرق لكنه و مع كل أسف فان الإرادة السياسية في الجزائر تسبح عكس التيار و في الوقت الذي كان الشعب الجزائري يتطلع إلى برلمان شرعي ها نحن نعود غالى نقطة الصفر و نحن الآن أمام أمر واقع مؤلم , أيعقل أن يكون لجزائر الثورة و التاريخ برلمان من هذا الشكل و نحن أمام وضع جيوسياسي إقليمي لم تعرف المنطقة له مثيل و أمام أحداث تتسارع وفق أجندات و مصالح أجنبية تسعى دوما لخلق بؤر التوتر للسيطرة على مصادر الطاقة ومناطق النفوذ و قد أصبح العالم العربي ميدان للصراع بين القوى المتضاربة و المتصارعة و الجزائر ليست في مأمن من هذا الأمر و بالتالي إن لم تكن لها قيادة سياسية حكيمة و مؤسسات دستورية شرعية مسؤولة بإمكانها أن تقف أمام هذا السيل الجارف فان الأمر سيكون جلل قد لا تحمد عقباه و أمام هذا الوضع الراهن في الجزائر و بعد فقدان الأمل في إنشاء مؤسسات دستورية شرعية فان الشعب وحده الذي سيصنع الحدث و سيقف هبة رجل واحد أمام أي تحدي خارجي و أما إصلاح الوضع الداخلي فهو متروك للزمن و ستزول الرداءة وسيختصر أصحابها من قاموس السياسة و ذلك بزوال تراكمات الأخطاء السياسية المتعاقبة
اختلال سلم القيم
الواقع أن المجتمع الجزائري ظل و لزمن طويل في منأى عن كل الانحرافات الأخلاقية والسلوكيات الشاذة وظل محافظا على قيمه النبيلة و فضائله الشريفة غير إن سرعة حركية التواصل بين المجتمعات جعلته كغيره يؤثر ويتأثر بمحيطه الخارجي وهو أمر طبيعي و حتمي خاصة مع الانفتاح على وسائل الإعلام المتعددة الأوجه والاحتكاك بالمجتمعات الأخرى والحوار مع الثقافات المختلفة ومن منطلق خصوصية المجتمع الإسلامي كان لهذا التأثر حدود وضوابط شرعية واجتماعية وهي الضامن العفوي لكبح جماح التأثيرات الخارجية ولا يمكن قبول التفسخ والانحلال الخلقي لدرجة تتجاوز كل الأعراف والقيم, والمتتبع لحركية الأحداث المتسارعة في المجتمع الجزائري يلاحظ أن الرياح الهوجاء للعولمة استطاعت أن تعصف به وان تكتسحه الأفكار الهدامة الغريبة عن أصالتنا و قد جاءت متسترة تحت غطاء الحرية الفردية وحقوق الإنسان و بإيعاز من علمانية الغرب الماكر الحاقد والذي سخر كل ما في وسعه من اجل نشر والترويج لأفكاره الهدامة و ثقافة الإباحية و قد اجمع الغرب على هدم مكارم الأخلاق بالمجتمعات الإسلامية و تصدير كل ما هو انحرافي لأنهم يعلمون أن قوتنا في أخلاقنا و قيمنا المستمدة من ديننا الحنيف ولا يمكنهم النيل منا إلا بتجريدنا من هويتنا ومسخ شخصيتنا الإسلامية واليوم نلاحظ مع الأسف إن مشروع العلمانية بدأت ملامحه تظهر في المجتمع الجزائري إذ استبيحت أمور يندى لها الجبين وفي زمن قياسي استطاعت أن تنخر المجتمع وتعبث بأخلاقياته وتتلاعب بمنظومته وتركيبته الاجتماعية , و ليس الانفتاح السلبي على الغرب هو وحده المسئول بل هناك عوامل أخرى تكرس الانحلال الخلقي وتعود مسؤوليته على عاتق أولي الأمر في هذا البلد , فغياب توفير أدنى شروط الحياة الكريمة لفئة كبيرة و شرائح واسعة من المجتمع وانعدام التكافل الاجتماعي وعدم محاربة ظاهرة انحراف الشباب وعدم احتوائهم فكريا و تربويا و تركهم عرضة لمغريات العصر مع تفشي البطالة والتي انجر عنها فراغا رهيبا نجم عنه عنف كبير أدى ذلك كله إلى أمراض خطيرة كاستفحال السكر العلني وتعاطي المخدرات و الحبوب المهلوسة والتحرش الجنسي و تفشي جرائم الاختطاف والاغتصاب ولم يعد لكلمة الحياء تأثير في المجتمع, وفي زمن ليس ببعيد لم نكن نسمع عن ارتكاب جريمة قتل إلا نادرا وهو أمر استفحل وبلغ درجة لا يمكن قبولها في مجتمع مسلم مسالم تكبح جماحه أعراف و قيم إسلامية وتربوية وقوانين عرفية ردعية وقد وصل الأمر إلى ارتكاب جريمة القتل في حق الأصول والأبناء كما عرف المجتمع التعدي على المحارم وهو أمر في غاية الخطورة وهي عوامل تنبئ بانحلال خلقي سيفكك بناء الأسرة و المجتمع. إن المجتمع اليوم يعرف حالة انهيار خطير لقيمه و مقوماته والحل الوحيد هو العودة إلى ترسيخ تعاليم الإسلام عقيدة وتشريعا وحكما وتنظيما وهوا لضامن الأوحد لتطهير المجتمع من كل الجرائم السلوكية كما يجب ايقاض الضمائر الحية في من يتحملون مسؤولية تسيير شؤون البلد أن يلتفتوا الى مجتمعهم الي يعيشون فيه يتقوا الله
الرداءة و التمثيل في المجالس الشعبية
من الأصل أن تتشكل المجالس الشعبية غالبا و بشكل عفوي من نخبة المجتمع و هي الطبقة المثقفة التي تتوفر على الكفاءة والمستوى العلمي المؤهل لتحمل مسؤولية تسيير الحكم الراشد و التشريع وسن القوانين و هي التي يكون لها شرف الدفاع بكل أمانة وصدق عن مظالم الناس و رفع ألامهم و آمالهم طموحاتهم غير انه و مع الأسف أن الكثير من ممثلي الشعب يفتقدون لهذه الصفات و جلهم لا يحملون في فكرهم وجدانهم مصلحة المجتمع و كل ما يسعون إليه هو تحصيل حقهم من الريع و المكاسب المادية و بالتالي فان وصول وجوه تفتقد إلى النضال السياسي و المؤهل العلمي و النزاهة الفكرية إلى قبة البرلمان أو المجالس الشعبية هو أمر في بالغ الخطورة على الأمة برمتها و لا غرابة في الأمر إذا قلنا أن الجزائر و منذ الاستقلال لم تعرف برلمانا شرعيا من حيث الشكل و المضمون و لم يمثل الشعب يوما بالنخبة المؤهلة للتمثيل والتشريع و أن النظام القائم منذ الاستقلال إلى اليوم لا يرتكز في سياسته العامة على أساس مشروع مجتمع و لا يسعى إلى إرساء دولة القانون و المؤسسات الشرعية و قد انصب كل جهده في المحافظة على وجوده منتهجا سياسة الترقيع و معاجلة الأمور بحلول آنية وبدون رؤى مستقبلية و إن كانت هناك بعض النوايا الصادقة في جدية معالجة بعض قضايا الأمة إلا أنها لم تفي بالغاية المطلوبة مقارنة بحجم إمكانيات الدولة الجزائرية من حيث الموارد البشرية و المادية و في كل مرة يكون فيها الشعب الجزائري على موعد مع الاستحقاقات إلا و يحي فيه الأمل لعله يرى تشكيلة تمثله أحسن تمثيل و لكنه كان دائما يصطدم بنتائج لا تكس مبتغاه و هو أمر جد عاد لأنه في زمن الرداءة لا يمكن إنتاج إلا ما هو رديء بل العكس لو قدر للبرلمان أن تشكل من أفاضل الناس لكان طفرة في ظل نظام الريع الذي تفنن في مصادرة أصوات الجماهير الكادحة و المقهورة لقد عاش الشعب الجزائري حالة من اليأس قبل الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 ماي2012 و ذلك لان رؤساء الأحزاب و المترشحين الذين تقدموا لهذه الانتخابات اتفقوا على صفقة خسيسة و هي توظيف المال العكر و بالتالي فان وصول أصحاب المال المافيوي إلى قبة البرلمان أصبح قاب قوسين أو أدنى و هذا يشكل خطرا فضيعا على الأمة برمتها إذ انه لا مناص من أن مصالح الدولة سيسيرها المال و المصالح الخاصة و سرعان ما استبشر الناس خيرا بخطاب الرئيس من مدينة سطيف عندما مرر رسالة إلى الشعب يطلب منه التغيير لكن المفاجئة كانت كبيرة و الصدمة كانت أعمق يوم11ماي و لم يستوعب الشعب الجزائري ماذا حدث و لم يستطع حتى تحليل و قراءة نتائج الانتخابات لان كل المعطيات كانت تشير إلى تحقيق برلمان على الأقل متعدد و لن تكون فيه الأغلبية لأي تيار سياسي لكن النتيجة المعلنة و بهذا الحجم من التزوير هي في الحقيقة مؤشر خطير ينبئ بضبابية مستقبل الأمة إن الضمائر الحية و شرفاء هذا الوطن هم اليوم أمام تحد كبير و هم ملزمون ببتر الفساد الأخلاقي و السياسي و الوطن في حاجة ماسة إلى قيام مشروع نهضوي مشروع دولة المؤسسات دولة حضارية أساسها العلم و الأخلاق الفاضلة تقودها قيادة جادة تنبثق من الطبقة المثقفة وليدة المجتمع الجزائري الأصيل.
-4- الجزائر حرقة أمل لم يتحقق
سألت شيخ طاعن في السن عن أشياء جميلة كان يتمناها في حياته و لم تتحقق, و كنت على يقين أن جوابه لن يخرج عن مطالب مادية و دنيوية لكنه أفحمني وهو يرد علي قائلا – ( كنت أتمنى بعد الاستقلال أن يكون وطني بلدا مزدهرا اقتصاديا, تحترم فيه الحريات و حقوق الإنسان و تسوده العدالة الاجتماعية وتحكمه مؤسسات شرعية يؤطرها رجال شرفاء يحفظون أمانة الأمة و يؤمنون برسالة بناء الوطن ....).
لقد كان لجوابه وقع كبير على نفسي , حرك وجداني واقشعرت له جوارحي , فقد هرم الشيخ ولعبت تجاعيد الدهر بوجهه و لم يغيير الزمن ما يكمن في خاطره من تمنيات وقد يموت و في نفسه حرقة من أمل لم يتحقق و قد نموت نحن و لم نستطع حتى أن ندافع و نناضل أو على الأقل نؤمن بما كان يحلم به الشيخ .
لقد لقنني الشيخ درسا لن أنساه و عرفت أن جزائر الثورة و التاريخ التي صنعتِ بالأمس القريب أمة و حضارةً وسلطاناً وسجلت هيبتها في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط و على أنقاض أمجاد هذا التاريخ لحافل سيظل مشروع قيام دولة الحق و القانون حلم يراود أبناء الجزائر الشرفاء التواقين إلى أفق مشرق و سيظل يدفعهم الشوق إلى الالتحاق بركب مصاف الدول الراقية و الغاية ليست مستحيلة فأرحام الأمهات لن تجف و سواعد الرجال لن تكل عندما يتعلق الأمر بالجزائر
لقد عانت الجزائر طيلة قرن ونصف من الاستدمار من قبل قوى الشر من أبناء الشعب اللقيط و نتاج الرذيلة و ضاق الشعب الجزائري ضرعا بممارساتهم و طغيانهم فكانت الانتفاضات تتوالى إلى جاءت ثورة نوفمبر خاتمة الثورات و التي قامت بانصهار التيارات السياسية المنادية باستقلال الجزائر في إطار حزب جبهة التحرير الوطني و كان النصر حليف الشعب الجزائري المجاهد و خرجت فرنسا صاغرة مقهورة متوارية وانتقلت الجزائر من الجهاد المسلح إلى جهاد بناء مؤسسات الدولة و إرساء كيانها غير انه و لقصر النظر عند الكثير من رجالات السياسة آنذاك دخلت الجزائر في النفق المظلم و
عاشت لعشريات من الزمن حالة من تسلط نظام استبدادي قهري عرفت فيه الحياة السياسية حالة انسدادٍ كلي وكبلت فيه الحريات العامة و الفردية ولم يكن لحقوق الإنسان فيه قيد أنملة من النشاط ، ولم تسمع الأصوات المطالبة سلميا بحقوق المجتمع المدني وتم احتكار السلطة تحت غطاءا لحزب الواحد الحاكم الأمر الناهي، و غييبت النخبة التي كانت تنادي بالرأي المخالف وكممت أصواتها و خضعت في كثير من الأحيان لاستنطاق من قبل قوى الأمن والاستخبارات وانتهك القانون و صودرت أصوات الجماهير الكادحة بتزوير إرادتها في كل الانتخابات التي عرفتها البلاد، وتم التضييق على استقلالية القضاء من قبل السلطة التنفيذية وفرضت أحكام استثنائية في الكثير من المحاكمات ، و سلط سيف الحجاج على الصحافة العمومية و احتكر الإعلام السمعيّ- لبصري و وصل لحد إلى طبع خطب صلاة الجمعة ,لقد عرفت الجزائر فترة مظلمة عاش الشعب الجزائري خلالها كل مواصفات الاستبداد السياسي و القهر الفكري و الضغط الاجتماعي
و بعد أكتوبر 1988 م دخلت الجزائر مرحلة الانفتاح السياسي و كانت في الواقع حتمية مصير أفرزتها التحركات السريعة للتاريخ و بدوافع الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي الذي كانت تمر به الجزائر آنذاك و بدا الشعب لجزائري يتنفس من كبت حقب القمع التي مر بها و أسست أحزاب سياسية و بدا المشهد السياسي ينتعش و بدأت معالم ثورة الفكر السياسي الحر تتجسد على ارض الواقع لكن عرس الديمقراطية لم يتم و سرعان ما تحول إلى مأتم و عادت الجزائر إلى نقطة الصفر و دخلت عهد عشرية الدم و العنف و العنف المضاد و فرض على الجزائر إصلاحات من قبل صندوق النقد الدولي و انتقلت من الاقتصاد الموجَّه إلى الاقتصاد الحرّ دون ضوابط و بدأت ظاهرة النهب للثروة و المال وعرفت الجزائر سوء تسيير للمال العام والنفقات العمومية و برمجة مشاريع تنموية لم تكن ناحعة من منطلقها و بيعت ممتلكات الدولة و مؤسساتها العمومية و نتج عن ذلك بطالة خانقة، انجر عن ذلك اتساع ظاهرة الفقر المتقع ، كما ساعدت ظاهرة الإرهاب على هجرة الريف و النزوح إلى المدن لتضاف هذه الفئة إلى طبقة البطالين و تولَّد عن ذلك عنف و أمراض اجتماعية خطيرة وباتت البلاد مرتعاً للتناقضات العبثية والصراعات المصلحية
و بعد عشرية كاملة يمكن القول إن الوضع الأمني تحسن بكثير و مع ارتفاع سعر البترول في الأسواق العالمية اسفادت الجزائر من مداخيل هامة و هي فسحة مالية جد مريحة و هي عوامل تساعد على بعث انطلاقة تنموية جادة إذ ما توفرت النيات الصادقة في أولي الأمر و برمجت مشاريع ناجعة ولنا في نموذج نهضة دولة ماليزيا قدوة و اصدق مثال يحتدا به إذ كان الماليزيون يعيشون في الغابات، ويعملون في زراعة المطاط، والموز، وصيد الأسماك. ولم يكن الدخل الفردي يفوق ألف دولار سنوياً و هو بلد متعدد الديانات و لم تبدا نهضته الا في سنة 1981 عين الدكتور ماهتير محمد رئيسا للوزراء فكان قائدا لنهضة شاملة حيث رسم خارطة طريق لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأهداف خلال عشر سنوات و خص اكبر قسم من ميزانية الدولة للتعليم و البحث العلمي و اهتم بتدريب وتأهيل الحرفيين واهتم بتعليم اللغة الإنجليزية و أسسها كلغة للبحث العلمي و كثف من البعثات العلمية للدراسة في أفضل جامعات العالم و اهتم بقطاع الزراعة فغرس الفلاحون مليون نخلة زيت و في خلال عامين تصدرت ماليزيا دول العالم في إنتاج وتصدير مادة زيت النخيل و اهتم بالسياحة و الصناعة و طور القطاع المصرفي وأنشأ البورصة وقد وصل حجم تعاملها اليومية إلى ألفى مليون دولار وأنشأ أكبر جامعة إسلامية في العالم ، كما أنشأ عاصمة إدارية جديدة بجانب العاصمة التجارية كوالالمبور ، وانجز المطارات وعشرات الطرق السريعة و الفنادق الفخمة و بالمختصر المفيد أسس البنية التحتية التي تسهل و تساعد على تحريك الاستثمارات المحلية والأجنبية و بفضل هذا المجهود الجبار وصل احتياطي النقد في حدود 100 مليار دولار، و وصل حجم الصادرات إلى يقارب 200 مليار دولار، و مع كل ذلك وفي سنة 2003 ترك الدكتور ماهتير محمد السلطة طواعية و لم يتمسك بها و الأجمل من ذلك كله انه ترك لخليفته خارطة طريق أطلق عليها * عشرين- عشرين* أي شكل ماليزيا عام 2020 عندما نقارن المعطيات التي انطلق منها الدكتور ماهتير محمد للقيام بنهضته في ماليزيا بامكانيات الجزائر فاعتقد انه لا مجال للمقارنة لكن الجزائر تفتقر إلى عقل و إرادة و سواعد رجال الدكتور ماهتيرمحمد .
إن قيام مشروعٍ نهضوي بالجزائر حتمية تفرضها معانات الدولة من ضَعْفٍ و ترد في أوضاعها، و ضبابية الرؤى المستقبلية لفحوى برامجها التنموية , الجزائر بلد عملاق بتاريخه و بإمكانياته المادية وموارده البشرية و لكنها تحتاج إلى نخبة من الرجال الشرفاء تقود مشروعٍ نهضوي شاملٍ يعيد النظر في كل ما يتعلق بتأسيس مفهوم الدولة و جعل اطار لنظام الحكم برلماني- رئاسي و العمل على ترسيخ الديمقراطية كفلسفة في اذهان الناس و كممارسات فعلية في حركية المجتمع المدني و التي ستنتج تمثيلا نيابيا عفويا سواء على المستوى المحلي او الوطني مما يسهل شرعية حق الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية خاصة في صرف المال العام و تحرير القضاء من إيحاءات و أوامر السلطة التنفيذية و إرساء أسس العدالة الاجتماعية و عجبا لنظام يسير خبطة عشواء و يعتقد انه يسيير شؤون دولة انتم تسيير ون شؤون أفراد لهم مصالح متقاطعة فيما بينهم و هم يتموقعون بشكل أفقي في كل مفاصل الدولة كشبكة عنكبوتية تنخر بسمها مؤسسات الدولة و هيكلها و اعتقد أن إزاحتهم من السلطة ضرب من الخيال فهم لا يخافون إلا من الشعب و هو الوحيد الذي يمكنه إعلان الحرب عليهم و اقتلاع جذورهم من أصولها كفاكم نهبا فانتم لم تتركوا للأجيال القادمة حقها من الريع ارحلوا و قبل إن تثور عليكم الشعوب و ترميكم في مزابل التاريخ